Wednesday, November 01, 2017

لوحات عالميـة – 425

امـرأة تقـرأ رسـالة
للفنان الهولندي يوهـان فيـرميـر، 1660

بعض الروائيين، من أمثال مارسيل بروست وأغاثا كريستي وتريسي شيفالييه وسوزان فريلاند وكاثرين ويبر وغيرهم، استدعوا مناظر فيرمير في أعمالهم الأدبية. وقد يكون احد الأسباب هو الغموض الذي يحيط بهذا الرسّام بعد أن عاش مائتي عام في عالم النسيان بعد موته. كما أن السمة السردية للوحاته تتيح لكلّ شخص أن يؤلّف قصّة خاصّة عنها.
لوحات فيرمير عن الحياة المنزلية للهولنديين تأخذ المتلقّي إلى مكان وزمان مختلفين. ورغم مرور أكثر من ثلاثمائة عام على وفاته، إلا انه ما يزال لصوره نفس النوعية ونفس القوّة والقدرة على إشراك المتلقّي وجعله جزءا من القصّة.
أحيانا يقال أن فيرمير كان يرسم فنّاً من اجل الفنّ. لكن هذا الرأي لا يدعمه الواقع، فقد كان يرسم غالبا بتكليف من الآخرين، ولو كان يرسم لنفسه أو من اجل المتعة الشخصية لكان هذا الكلام صحيحا.
في هذه اللوحة، يصوّر فيرمير امرأة تقف جانبيّا وسط غرفة وترتدي معطفا من الساتان الأزرق الشاحب بينما تقرأ رسالة. وجهها في الظلّ تقريبا وفمها مفتوح بعض الشيء ورأسها منحنٍ إلى الأمام قليلا. وعلى الطاولة التي أمامها، هناك عقد من اللؤلؤ والصفحة الأولى من الرسالة.
ويبدو أن الرسالة وصلتها للتوّ، لذا أوقفت كلّ شيء لتقرأها. وفيرمير يمسك بلحظة التركيز هذه. وهو يأخذك إلى اللوحة، أي إلى داخل الغرفة مع كرسيّ اختار مكانه بعناية كي يعطيك إحساسا غير عاديّ باللحظة. وفيرمير كان بارعا في خلق هذا النوع من الارتباطات بين الشخص المرسوم والمتلقي.
بحسب بعض النقّاد، يمكن اعتبار هذه اللوحة سيمفونية باللون الأزرق. تنوّعات الأزرق وظلال الأبيض فيها تشير إلى يد معلّم ماهر. وما فعله فيرمير بالأزرق هنا مذهل، كما تُظهره الألوان الثريّة في معطف المرأة، وأيضا أضواء الصباح التي تتخلّل كامل جوّ الغرفة بما في ذلك الأزرق المنعكس على الجدران.
كان فيرمير يصنع أزرقه الجميل، أو الأزرق السماويّ كما كان يسمّيه فان غوخ، من حجر الفيروز. وكان هذا الحجر يُجلب من جبال أفغانستان في القرن السابع عشر. وكان من عادة فيرمير أن يطحن قطعة من الفيروز ثم يضيف إليه الزيت كي يزيد من تماسكه.
ولأنه لم تكن توجد في ذلك الوقت زجاجات محكمة لحفظ الألوان كما هو الحال اليوم، فقد كان يمزج قدرا قليلا من الطلاء كلّ يوم، وبما يكفي لتغطية منطقة بعينها من القماش التي يعمل عليها.
المنظر في اللوحة يعكس مزاجا هادئا ومتأمّلا، لكنه يترك للناظر مهمّة الإجابة على بعض الأسئلة المعلّقة. مثلا من هي المرأة؟ وماذا تقول الرسالة؟ ومن كتبها؟
ثم ما مغزى الابتسامة الخفيفة على وجهها؟ والانتفاخ الظاهر في مقدّمة بطنها هل يؤشّر إلى أنها حامل، أم أنها كانت موضة اللباس في ذلك العصر؟ وعقد اللؤلؤ على الطاولة هل هو هديّة مثلا؟ وما أهميّة الخارطة على الجدار؟
قد تكون الرسالة وصلت من شخص ما في مكان بعيد، وقد يكون مرسلها شخصا تحبّه المرأة. وربّما أُرسلت من على متن إحدى السفن الهولندية التجارية التي جعلت من هولندا بلدا غنيّا في القرن السادس عشر.
فيرمير لا يقول لنا شيئا عن هذه الأمور، رغم انه وحده من يعرف القصّة الحقيقية. لكن ما يهمّ في نهاية الأمر هو حقيقة أن المشهد حميم، وكلّ شخص يمكن أن يؤلّف عنه قصّة.
استخدم الرسّام ظلالا مختلفة من الأزرق لرسم خطوط المعطف. وهو، أي المعطف، واضح من الأمام لأن المرأة تواجه الضوء الآتي من النافذة غير المرئية، لكنه معتم من الخلف، أي في منطقة الظلّ. والأزرق يتحوّل إلى نوع من الأزرق الرماديّ خلفها، وهو أمر يشهد على براعة غير عادية في توظيف اللون والضوء.
كان من عادة فيرمير أن يُرفق بعض لوحاته بخارطة لهولندا. لكن الخارطة هنا قد توحي بأن المرأة متزوّجة من رجل يعمل في التجارة، وقد تكون رمزا للهويّة أو الجنسية. وفي كلّ الأحوال، هي مرسومة بطريقة جميلة وتناسب الخلفية.
يقال انه يجب أن ترى اللوحة الأصلية لكي تفهم سرّ عبقرية فيرمير الفنّية، خاصّة مهارته في رسم الضوء واللون على القماش. والشيء المذهل هو انه خلق كلّ هذه التأثيرات المدهشة دون أن يترك أثرا لأيّ فرشاة.
المعروف أن هذه اللوحة سافرت قبل أربع سنوات من مكانها الدائم في متحف ريكس الهولنديّ إلى كل من شانغهاي وساوباولو ولوس انجيليس كي تُعرض على الجمهور هناك، قبل آن تعاد إلى أمستردام ثانيةً في عام 2013.