Thursday, October 20, 2016

لوحات عالميـة – 380

فجـر بـلا أمـل
للفنان البريطاني فـرانك بـراملـي، 1888

عندما عُرضت هذه اللوحة لأوّل مرّة في الأكاديمية الملكية في لندن قبل 130 عاما وُضع معها اقتباس من مقالة كتبها الناقد جون راسكين يقول فيها:
الإنسان والحزن متلازمان إلى الأبد، ومن عصر إلى عصر تجري الأمواج دائما والرياح تعوي والقلوب المؤمنة تعاني وتمرض والرجال الشجعان يواجهون الشطآن الثائرة بضراوة. لكن خلف دفّة كلّ قارب أو سفينة، ثمّة يد الله التي تمنح البحّارة مفاتيح السماء".
واللوحة تصوّر مشهدا حزينا من العصر الفيكتوري. فالمرأة الجاثية تدرك أن زوجها توفّي في البحر أثناء رحلة صيد، بينما تحاول حماتها أو أمّ زوجها مواساتها والتخفيف عنها. وعبر النافذة يمكن رؤية بحر هائج وأنوار الفجر في سماء عاصفة.
الكتاب المقدّس المفتوح والطاولة على شكل مذبح على الجدار تتضمّنان تلميحا بأن الدين يساعد في تعزية الإنسان والتخفيف عنه.
لكن كلا المرأتين فقدتا الأمل في عودة الزوج والابن بعد أن انتظرتا خبرا عنه ليومين كاملين. وهما لم تناما طوال الليل، تقرآن الصلوات والأدعية وتنتظران بلا أمل عودته.
الرسّام يخلق تباينا بين ضوء الصباح الشحيح والشمعة المتوهّجة على الطاولة، بينما على حافّة النافذة تظهر شمعة منطفئة يمكن أن تكون رمزا لموت الصيّاد. وخارج النافذة تستمرّ العاصفة بلا رحمة. الزجاج المتصدّع يوحي بضعف البشر مقابل لا مبالاة وقسوة البحر.
وقد وُصفت اللوحة في بعض الأحيان بأنها ذات مضمون عاطفيّ وسرديّ قويّ مع جاذبية جمالية وتناغم لونيّ، ما يجعلها أحد أكثر الأعمال الفنّية جاذبية وجمالا.
صحيح أن المنظر يصوّر أحزان حياة صيّادي الأسماك وعائلاتهم. لكنه أيضا يقدّم العزاء بالقول إن الربّ لا يتخلّى عن عباده وأن رحمته هي الهادي في الليالي المظلمة وعندما لا يبدو أن الفجر يحمل أملا بالخلاص.
احد النقّاد ذهب إلى انجلترا قبل سنوات ورأى اللوحة في التيت غاليري وقد وصفها بقوله: كانت أعمال رمبراندت وكونستابل وغينسبورو معروضة في غرفة بعد غرفة. وقد أعجبت بجمالها وقدّرت البراعة التي تطلّبها إنتاج مثل تلك التحف الرائعة. لكن في زاوية هادئة من الطابق الثالث، شدّت انتباهي لوحة، بل أقول أنها أسرت قلبي.
وأضاف: لقد رسم الفنّان كوخا متواضعا أمام البحر تظهر بداخله امرأتان، زوجة صيّاد غائب وأمّه، وهما تنتظران طوال الليل عودته، والآن تدركان انه لن يعود أبدا. الزوجة تدفن رأسها في حضن العجوز وهي تبكي بحرقة ويأس.
وختم الناقد كلامه بالقول: أحسست بألم المرأتين وحزنهما. والعنوان المؤرّق الذي أعطاه الرسّام لعمله هذا يخبر عن القصّة المأساوية. ومع ذلك فالموت حقيقة من حقائق الحياة لا يستثني أحدا، ويمكن أن يكون مؤلما جدّا أن نفقد أحدا من أحبّتنا".
ولد فرانك براملي في لنكولنشاير في مايو من عام 1857 ودرس في مدرسة لنكولن للفنّ، ثم في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة حيث تتلمذ على يد تشارلز فيرلات.
وقد عاش الرسّام في فينيسيا بإيطاليا مدّة عامين وتزوّج من رسّامة زميلة هي كاثرين غريهام. وكان من بين زملائه ستانهوب فوربس الذي كان يعتبر براملي من الأشخاص الروّاد في مدرسة نيولاين للرسم.
تخصّص براملي في رسم الديكور المنزليّ وفي مزج الضوء الطبيعيّ بالاصطناعيّ في لوحاته، كما فعل في هذه اللوحة.
وفي عام 1894 أصبح أستاذا في الرويال أكاديمي، ونال في إحدى السنوات ميدالية ذهبية من صالون باريس.

Sunday, October 16, 2016

لوحات عالميـة – 379

لقاء عند البوّابة الذهبية
للفنان الايطالي جيوتو دي بوندوني، 1305

طبقا للعقيدة المسيحية، فإن مريم العذراء وُلدت بنفخة من روح الربّ. وفي روايات الرهبان الأوائل فإن أبوي مريم أيضا أنجباها من دون اتصال جنسي. كان يجب أن تبدأ حياة العذراء بمعجزة عندما حملت بها امرأة في سنّ اليأس. وهذه الفكرة، أي الحمل الإعجازي، تتخلّل عددا كبيرا من القصص الواردة في الإنجيل.
تصوّر هذه اللوحة قصّة والدي مريم، يواكيم و حنّة. كان قد مضى على زواجهما ثلاثون عاما دون أن يُرزقا بأطفال. وكانا محبّين لبعضهما، لكنهما لم يكونا سعيدين لأنهما كانا يحلمان بطفل. وكانا يظنّان أن الله لا بدّ وأن يكون غير راض عنهما.
وقد ذهب يواكيم إلى معبد أورشليم ليقدّم قربانا لعلّ أمنيته تتحقّق. لكن الكهّان صدّوه، لذا اتخذ له ملجئا عند الرعاة. ثم أتاه ملاك وأخبره بأن صلاته استجيب لها. وقد وجّه الملاك الزوجين بأن يذهب كلّ في طريق وأن يلتقيا عند البوّابة الذهبية لأورشليم وأن يقبّل كلّ واحد منهما الآخر هناك.
وعند البوّابة اجتمع شمل الزوجين للمرّة الأولى منذ أن غادر يواكيم البيت ليسأل الكهنة عن الحدث الكبير والوشيك الذي سيغيّر حياتهما إلى الأبد. ويُفترض رمزيا أن لقاء البوّابة الذهبية واحتضان الزوجين لبعضهما هو الذي أدّى إلى الحمل بمريم.
في اللوحة يظهر الزوجان وهما يقبّلان بعضهما البعض أسفل قوس مزخرف يحيط بهما عدد من الناس.
وقد وُصف اللقاء في الكتب القديمة بأن حنّة ألقت بنفسها في أحضان زوجها، ثم حمد الاثنان الله على منّه وكرمه بأن منحهما طفلا. وقد عرفا من رسول السماء، أي الملاك، بأن الطفل سيكون أنثى وأنها ستصبح في ما بعد ملكة قويّة في السماء والأرض.
وفي مختلف الرسومات القديمة التي تصوّر القصّة، يظهر الزوجان عند البوّابة الذهبية وهما في حالة عناق. الفنّان الألماني البيرت ديورر رسم نفس القصّة ووظّف فيها تقاليد عصر النهضة المبكّرة، كالنظر عبر شبّاك مفتوح والمزج بين الديني والدنيوي من حياة ذلك العصر.
في اللوحة أيضا يظهر يواكيم بصحبة الراعي، وجزء من الراعي مقتطع من الصورة لخلق انطباع بتتابع المشاهد من خلال إطارات تُتوّج بالمشهد الأخير والأهم، أي موكب الزوجين.
الخطوط العمودية في المعمار والقوس الذهبيّ لبوّابة المدينة تؤطّر الطريق الذي يسلكه الزوجان. هنا يتقابل الاثنان فوق الجسر ويحتضنان بعضهما بحنان. في الفنّ الكلاسيكي الأوربّي يُعتبر مشهد القبلات أمرا نادرا، وحتى نهاية القرن الماضي كانت شيئا مبتدعا وجريئا. والقبلة في اللوحة لا علاقة لها بالجنس، وأهميّتها تنبع من حركة وتعابير الأجساد.
رُسمت هذه اللوحة قبل سبعمائة عام كجدارية لتزيّن إحدى الكنائس في بادوا بإيطاليا. وما تزال موجودة في مكانها حتى اليوم. وربّما يلاحظ الناظر أن ملامح الأشخاص فيها تتسم بالصرامة، وتلك سمة ملازمة لرسومات جيوتو بشكل عام وقد كانت دائما مصدر تقدير عند النقّاد. أحدهم قال في زمانه أن جيوتو ترجم فنّ الرسم من اليونانية إلى اللاتينية، أي انه غيّره من تسطيح الأيقونات اليونانية إلى صلابة التماثيل الرومانية.
لكن بالنسبة للعين الحديثة، فإن هذه الصلابة تشوّه الشكل التشريحي. وبسبب انثناءات الجسد في رسوماته، تبدو بدائية وطفولية، وهذا بالضبط ما كان يروق لبعض رسّامي الحداثة في القرن العشرين. حذَرُ شخوص الرسّام وثباتهم وبطء حركتهم ربّما يلخص أسلوبهم في التواصل مع العالم ومع بعضهم البعض.
في اللوحة هناك بعض التفاصيل اللافتة مثل القوس الذهبي للبوّابة واستخدام الأسود في عباءة إحدى النساء، وكذلك الراعي وهو احد شخصيات القصّة الذي يظهر نصفه في طرف اللوحة الأيسر. كما أن هناك جدلا بشأن المرأة التي ترتدي الأسود، ويبدو أنها الشخص الوحيد غير السعيد باللقاء.
جيوتو يتمتّع بحضور قويّ في الفنّ الغربيّ، وقد استحدث أبعادا ثلاثية في لوحاته وأعماقا متراجعة في فراغاتها. ولد وعاش في فلورنسا، ويقال انه كان راعيا بسيطا كان يرسم أغنامه في التلال إلى أن اكتشفه احد الرسّامين وقدّم له التشجيع والرعاية. وهو اليوم يُعتبر من أشهر فنّاني عصر النهضة الإيطالي.