Thursday, July 25, 2013

لوحات عالميـة – 322

بورتـريه سيّـدة
للرسّام الهولندي روهيـير فـان ديـر وايـدن، 1460

تُعزى شعبية وشهرة هذه اللوحة للأناقة البسيطة وللأنماط التي تخلقها الشخصية، وليس بالضرورة لفخامة رسمها. ورغم أن ملامح المرأة فيها غير مريحة إلى حدّ ما، إلا أنها تتمتّع بجمال غريب. التوليف مشيّد من الأشكال الهندسية التي تشكّل خطوط حجاب المرأة وعنقها ووجهها وذراعيها ومن مسارات الضوء الذي ينير وجهها وغطاء رأسها.
فان دير وايدن رسم هنا امرأة في العشرينات من عمرها تقريبا، ترتدي فستانا اسود أنيقا مع وشاح احمر صغير وغطاء رأس كبير اصفر اللون ينسدل منه حجاب شفّاف على جبينها. وقد ركّز الرسّام اهتمامه على أربع سمات أساسية هي غطاء الرأس واللباس والوجه واليدان.
نظرات المرأة متّجهة إلى أسفل في تواضع. والتعبيرات تنمّ عن تقوى، رغم أن هذا لا يتوافق مع اللباس الباذخ نسبيّا. وهي تظهر في زاوية مائلة قليلا، مع أنها تقف في منتصف اللوحة. الرأس مضاء بعناية بحيث لا يترك تباينات قويّة على البشرة.
رَسْم الشخصيّة تمّ وفقا للفكرة المثالية القوطية، فهي نحيلة وأطرافها طويلة وكتفاها ضيّقان. الوجه رقيق وطويل والحاجبان خفيفان والشعر مربوط بإحكام. شكل غطاء الرأس وخطّ الشعر الدقيق يعطيان الشخصية مظهرا نحتيّا.
الرسّام نقل إلى اللوحة جمال المرأة غير الطبيعيّ وأناقتها القوطية وتواضعها وسلوكها المتحفّظ من خلال مظهرها الهشّ وعينيها الخفيضتين وأصابعها الاسطوانية المتشابكة بإحكام وكأنها في وضعية الصلاة.
التصوير الشائك للأصابع هو أكثر العناصر تفصيلا في هذه اللوحة. لاحظ كيف أن أصابع اليدين مطويّة في طبقات بطريقة تضاهي الشكل الهرميّ للجزء العلويّ من اللوحة.
في القرن الخامس عشر، كانت النساء يرتدين الحجاب من باب الاحتشام ولإخفاء فتنة الجسد. لكن في اللوحة، الحجاب له تأثير عكسيّ، فقد تمّ تأطير الوجه بغطاء الرأس الغريب للفت الانتباه إلى جمال المرأة.
وضَع فان دير وايدن لنفسه جماليّاته الخاصّة ولم يلتزم بالقيم المثالية التقليدية لعصره. كان، مثلا، يهتمّ بمزاج التعبّد الحزين، وهي سمة مهيمنة على العديد من بورتريهاته.
في اللوحة، تبدو الخلفية مسطّحة وتفتقر إلى الاهتمام بالتفاصيل. وهذا ملمح شائع في الأعمال ذات الطبيعة التعبّدية أو الدينية. ومثل معاصره يان فان إيك، كان فان دير وايدن يستخدم أسطحا داكنة لتركيز الاهتمام على الموديل أو الشخصيّة المرسومة.
المرأة الظاهرة في اللوحة غير معروفة الهويّة. لكن بعض مؤرّخي الفنّ خمنّوا شخصيّتها، وقيل إن وجهها يشبه وجه ماري الابنة غير الشرعية لـ فيليب الطيّب ملك بورغوندي.
كان روهيير فاندر وايدن، بالإضافة إلى كلّ من فان ايك وروبرت كامبن، يمثّلون طليعة جيل ما عُرف بعصر النهضة الشمالية في بدايات القرن الخامس عشر. ومن الواضح أن فان دير وايدن عمل على هذا البورتريه ورسمه بنفس تقاليد معاصريه مثل فان ايك وكامبن.
وكان من عادته أن يشير إلى المكانة الاجتماعية لأشخاصه من خلال طريقته في رسم الوجوه والأيدي. وخلافا لـ فان ايك الذي كان يرسم الوجوه على طبيعتها، كان فان دير وايدن يعمد إلى تحسين المظهر الجسدي وتجميل طبيعة وشكل الشخصية.
وقد حظي الفنّان بتقدير عال من الأجيال اللاحقة من الرسّامين لبراعته في رسم الشخصيات. وممّا يلفت الانتباه أن بورتريهاته النسائية متشابهة كثيرا من حيث المفهوم والملامح.
وعلى الرغم من أنه لم يكن يلتزم بالأعراف المثالية، إلا انه كان يجامل موديلاته. فقد كان يرسمهنّ بملابس عصرية للغاية، وغالبا بوجوه مستديرة ومنحوتة تقريبا على نحو يذكّر بالتماثيل الطبيعية.
هذه اللوحة هي من مقتنيات المتحف الوطني للفنون في واشنطن منذ عام 1937. والمتحف يصفها بأنها أشهر البورتريهات النسائية التي يمتلكها.

Monday, July 22, 2013

لوحات عالميـة – 321

الملـك العجـوز
للفنان الفرنسي جـورج رول، 1936

يُصنّف جورج رول من بين أكثر الرسّامين التعبيريين موهبة. وقد جرّب الوحوشية قبل أن يتبنّى الأشكال التعبيرية ثم الرمزية، متأثّرا بمعلّمه الرسّام الرمزي غوستاف مورو. كان رول تلميذ مورو المفضّل. وأعماله الأولى، وبينها مواضيع دينية وبورتريهات، نفّذت بطريقة تشبه كثيرا لوحات أستاذه.
مواضيع رول محدودة وتتألّف غالبا من المواضيع الدينية والطبيعة الحزينة، ومن وقت لآخر كان يرسم باقات الأزهار. لكنه رسم أيضا لوحات قاتمة عن بائعات الهوى والفقراء.
"الملك العجوز" هي احد أكثر أعمال جورج رول نضجا، وهي بلا شك تحفته الفنّية بألوانها اللامعة وخطوطها السوداء الثقيلة.
كان الرسّام يبحث عن مواضيع مناسبة لإحساسه بالسخط والتقزّز إزاء شرور البورجوازية. والملك العجوز، الذي يمثّل نموذجا ايقونيّاً للسلطة، يعكس تغيّرا في نظرة الفنّان الانفعالية والأخلاقية. ورغم أن اللوحة لا تشير إلى سياق تاريخيّ معيّن، إلا أن هيئة الملك تذكّر بملوك آشور وبابل وبالنقوش المصرية القديمة. وتصوير الشخصية جانبيّاً يضاهي الصور الموجودة على النقود المعدنية الرومانية واليونانية القديمة.
الألوان اللامعة والخطوط السوداء السميكة والمستمدّة من تصاميم النوافذ المعشّقة تثير إحساسا بالسلطة وبغموض الملوك القدامى. الحاكم أو الملك في اللوحة لا يحمل سيفا أو أيّ سلاح آخر يرمز للسلطة الدنيوية، وإنما يمسك بما يشبه الزهرة البيضاء التي ترمز عادة إلى هشاشة الحياة وحتمية الفناء ودورة الولادة والموت.
ومثل معظم لوحات الرسّام، فإن "الملك العجوز" ممزوجة بإحساس بالتناقض المأساوي الذي توحي به قوّة الملك وضعفه في نفس الوقت.
بدأ جورج رول رسم هذه اللوحة خلال الحرب العالمية الأولى التي أطاحت بالملكيّات القديمة في أوربّا. وأكمل رسمها أثناء السنوات المضطربة التي سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية التي جلبت معها للبشرية فظائع اكبر. وقد اشترى اللوحة متحف كارنيغي للفنّ في بداية تلك الحرب عندما بدا أن رؤية رول المأساوية تذكّر بظلمات وكوارث القرن العشرين.
أسلوب الفنّان يتسم بكثرة استخدامه للألوان الباذخة وضربات الفرشاة السميكة، وهي تقنيات اكتسبها من دراسته تصميم الزجاج ومن التعليم الذي تلقّاه على يد مورو. وهناك أيضا استخدامه للتباينات الحادّة والجانب الانفعالي في أعماله، وهما ملمحان يُعزيان إلى تأثير فان غوخ عليه.
ولد جورج رول عام 1871 في باريس لعائلة فقيرة. وقد شجّعته أمّه على دراسة الرسم في سنّ مبكّرة. وعندما انتظم في كليّة الفنون الجميلة بباريس كان من بين زملائه هنري ماتيس. وقد قرّبته تلك العلاقة من الاتجاه الوحوشي الذي كان ماتيس زعيما له، فرسم لوحات تغلب عليها السمات الوحوشية كالألوان الساطعة والتصميم البسيط.
كان رول يكتب الشعر والنثر، وكانت الطبيعة البشرية دائما في مركز اهتمامه. وفي بعض الأوقات، انجذب إلى الروحانيات والى الأفكار الوجودية للفيلسوف جاك ماريتان الذي احتفظ معه بصداقة وثيقة إلى أن توفّي.
في عام 1902، عانى الرسّام من مرض خطير. وأصبحت رسوماته تعكس اهتمامه العميق بمعاناة الإنسان وتدهور حال المجتمع. ثم رسم عدّة لوحات مكرّسة لانتقاد المحاكم والمهرّجين والمومسات. ولم يلبث أن كرّس وقته بالكامل لرسم اللوحات الدينية.
وفي نهايات حياته، احرق أكثر من ثلاثمائة من لوحاته يقال أن قيمتها اليوم تساوي ملايين الدولارات. وكانت حجّته في ذلك التصرّف الغريب انه لن يعيش بما فيه الكفاية كي يكملها.
توفّي جورج رول في باريس في فبراير من عام 1958 عن 87 عاما. وقد أقيمت له في مناسبات مختلفة معارض تذكّرية في العديد من العواصم الأوربّية وفي اليابان.